في الوقت الذي أكون فيه منهمكاً بكتابة مقالاتي يدخل إلى مكتبي أحد زملائي او زميلاتي في العمل، أو يستوقفني رنيــــن الهاتف النقـــال لتــلقي اتصال هاتفي أو اشعــاراً بوصول رسالة قصيرة أو بريد إلكتروني، أو يتبادر إلى ذهني بعض الأفكار التي تتعلق بترتيبات وخطط عطلة نهاية الأسبوع، فهذه الأمور جميعها تتسبب حتماً بحدوث حالة من التشتت الفكري وعدم المقدرة على التركيز.
فعلى الرغم من أن هذه الحالة تعد من الأمور الطبيعية التي تحدث لجميع الناس من مختلف الفئات العمرية وبشكل يومي، إلا أن حدوثها لمدة طويلة يفوق الوضع الطبيعي مؤشراً يثيــر القلق، ففي هذه الحالة تنعدم لدينا القدرة على إدراك ما يدور حولنا وبالتالي تؤثر على حياتنا سلبياً وبشكل كبير جداً، وهنا يبدأ الإنسان بالتفكير حول الأسباب المؤدية إلى فقدان التركيز وتشتت الأفكار وطرح تساؤلات عديدة ومختلفة من أهمها : هل وصلت إلى سن الهرم العقلي ؟! ومــا الحـــل ؟؟
في الوضع الطبيعي نحاول التركيـــز في أمــرٍ مــــا أو القيام بوظيفة معينة مما يتطلب منا تركيزاً وجهداً فكرياً عالياً فالعقل يقوم بتجاهل كافة المؤثرات المزعجة والمحفزات المحيطة غير المرتبطة بهذا الأمر أو هذه الوظيفة، كونها تسبب لنا التشتت وعدم القدرة على التركيز والتفكير السليم.
فالأسباب المؤدية إلى مشكلة شرود الذهن المتكرر وتشتت الأفكار وفقدان التركيز والانتباه ليست جميعها أسباب عضوية مرتبطة بالدماغ كما يعتقد الكثير منا، بل قد تحدث نتيجةً لعوامل خارجية محيطة كالإزعاج والفوضى، واحياناً بسبب تغيرات الطقس كارتفاع درجة الحرارة مثلاً، يضاف إلى ذلك وجود عوامل شخصية أخرى ترتبط بنمط الحياة والروتين اليومي والتي تلعب دوراً هاماً في حدوث هذه المشكلة فالأمثلة كثيرة ومنها لا للحصر : عدم الانتظام في ساعات النوم ومواعيــده، والانشغال الدائم المرافق للضغوطات اليومية والاضطرابات النفسية الناتجة عن مشكلات عائلية، مالية، عاطفية، اجتماعية والتي ترهق الدماغ وبالتالي تخفض إمكانية التركيز، إلى جانب اتباع سلوكيات تغذوية خاطئة كالإكثار من تناول المنبهات، وتناول مواد غذائية دهنية عالية الدسم وأخرى ذات سعرات حرارية عالية بالإضافة إلى تعاطي مواد ضارة كالكحول والتدخين.
ان أولئك الذين ينهضون مبكراً لديهم قدرة على العمل مباشرة وتركيزهم اليومي عادةً يكون أعلى من أولئك الذين ينهضون في وقت متأخر، وهذا يعني ان ريتم الحياة "Rhythmus" له أهمية كبيرة في حياتنا اليومية ويؤثر عليها بشكل كبير جداً، فالإنسان ليس كالماكنة يتم التحكم بها بواسطة ازرار للعمل المتواصل، فبعد انتهاء يوم عمل متواصل وطويل تكون إمكانية التركيز مساءً أقل منها في الصباح، فالعمل الذهني اليومي يحتاج إلى فترات من الراحة لتحسين جودة التركيز.
ويجب عدم إغفال حقيقة هامة هي وجود بعض الأمراض التي قد تؤدي إلى عدم التركيز وتزيد من تفاقم هذه المشكلة، مثل الاضطرابات النفسية ومرض الزهايمر والتي تساهم أيضاً في إضعاف التركيز.
فعلاج هذه المشكلة يبدأ بمعرفة الأسباب المؤدية لحدوثها والتي تجعلها تقف عائقــاً في حياتنا اليومية، علينا هنا السعي لإيجاد أفضل السبل والحلول لتجاوزهــــا ؛ فإذا كانت الأمراض والمشكلات الصحية هي العامل المسبب لعدم المقدرة على التركيز ففي هذه الحالة يتم اللجوء الى طرق العلاج المناسبة كتناول عقاقير يصفها طبيب متخصص لعلاج الاضطرابات النفسية مثلاً، إلى جانب تحسين أساليب الحياة والروتين اليومي بما في ذلك ممارسة الرياضة، وتنظيم الوقت بما يضمن الحصول على ساعات نوم كافية وإعطاء الجسم فرصة للراحة والاسترخاء من الضغوطات اليومية، والمحافظة على التغذية السليمة وذلك بتناول كمية كافية من الماء والسوائل والمواد الغذائية الصحية المحتوية على الفيتامينات الهامة للجسم.
وعندما يلاحظ الآباء والأمهات وجود هذه المشكلة لدى أطفالهم وذلك عبر تأثيرها على أدائهم وتحصيلهم الدراسي، يتوجب عليهم البحث عن الاسباب المؤدية إلى ذلك، فأحياناً قد يحدث التشتت وعدم القدرة على التركيز للأطفال نتيجةً لتأثير الأجهزة التكنولوجية التي يستخدمونها كاستخدام أجهزة الحاسوب ومشاهدة التلفاز والهواتف الذكية، ففي هذه الحالة يجب على الأهل مراعاة التقنين باستخدامها وليس الحرمان منها.
ومن المعروف أننا نستطيع التغلُّب على هذه المشكلة مع مرور الزمن، وذلك بمحاولة تدريب الدماغ على التركيز فالدماغ يشبه العضلة وبمواظبة تدريبه وترويضه يتم السيطرة على إمكانية التركيز السليم.
التعليقات