كانت مفاجئة وحيرة صديقي أحمد كبيرة عندما نصحته بعمل فحص الثدي الإشعاعي وهو ما يسمى (Mammography)، فمن المتعارف عليه لدى الجميع بأن الفحص المبكر للثدي خاص بالسيدات وكما يُقرأ في الصحافة والدعاية، وكذلك كان الذهول أكبر لدى زملائي الذين يعملون في قسم الأشعة لمشاهدتهم رجل طويل القامة ويحمل كل صفات الرجولة يدخل لعمل فحص الثدي وطُلب منهم تحضير المعدات لأخذ عينة من ثدي ذلك الرجل.
نعم كل هذا ليس خطأ وليس سوء فهم فإصابة الرجال بسرطان الثدي أمر يتكرر مرة واحدة مقابل مائة حالة لسرطان الثدي عند النساء، هذا ويعتبر التعرف المبكر على سرطان الثدي هو المفتاح والضمانة الأولى للشفاء السريع دون مضاعفات، فسرطان الثدي لدى الرجال أكثر خطورة منه لدى النساء، وذلك لأن هذا المرض يُكتشف لديهم متأخراً ويكون في مراحله المتقدمة، إلا أنه وبالمقابل يمكن أن يُكتشف لدى السيدات في مراحله الأولى، فلا أحد من الرجال يعتقد اصابته بهذا المرض، ولا يبالون حال شعورهم بالأوجاع والألم في منطقة الثدي أو الشعور بتضخم هذه المنطقة، كذلك يعتقد الأطباء أولاً وجود التهاب معين عند الرجل، كما انه يضاف إلى ذلك حاجز الخجل لدى الرجال مما يدفعهم إلى الانتظار وعدم الإفصاح بالتغيرات الجسمية الناتجة عن تضخم الثدي.
يحتوي الثدي عند الرجال على غدد وانسجة كما هو الحال لدى السيدات إلا ان كثافة هذه الغدد تكون قليلة مقارنةً بالنساء، ومن المعروف ايضاً أن الرجال ينتجون هرمون الاستروجين (Estrogen) ولكن بكميات قليلة وهذا الهرمون يساعد على نشوء سرطان الثدي لديهم في حال حدوث خلل في التوازن الهرموني، فعلى الرغم من ان نسبة افراز هذا الهرمون لدى الرجال أقل بكثير منها لدى السيدات إلا ان ارتفاع هذه النسبة مرافقاً لوجود خلل في الصفات الوراثية لخلايا وغدد الثدي قد يؤدي إلى حدوث تكاثر غير منتظم يتحول فيما بعد إلى ورم خبيث أو حميد لدى الرجال. وهناك دراسات طبية أثبتت أن سرطان الثدي يمكن ان يكون متوارثاً حتى عند الرجال فحدوثه بكثرة لدى عائلة معينة قد يؤدي إلى زيادة احتمالية الإصابة به لدى الرجال من نفس العائلة، فالتاريخ العائلي قد يكون عاملاً حاسماً للإصابة بهذا المرض.
إن التأثير النفسي لهذا المرض عند الرجال أكثر شدة منه لدى السيدات وذلك لوجود قناعة شائعة بأن هذا المرض يصيب السيدات فقط، وبذلك فإن إصابة الرجل به قد يشعره بأن لديه نقص في رجولته وإنه في عالم آخر يختلف عما يعرفه.
ان علاج سرطان الثدي لدى الرجال يتم بنفس الطرق المستخدمة في علاجه لدى النساء، الا ان إمكانية الشفاء بعد العلاج الجراحي جيدة للغاية لدى الرجال مقارنةً بالنساء وقد يكون هناك أحياناً ضرورة للعلاج الكيماوي، أما بالنسبة للعلاج الهرموني عند الرجال فهو أسهل منه لدى النساء وخاصة ان السيطرة على هرمون الاستروجين سهلة لديهم.
فإصابة الرجال بسرطان الثدي ليس مسألة مستحيلة أو غير ممكنة بل هي أمر عادي يجب التعامل معه بكل شفافية وجدية وواقعية.
التعليقات