عُرفَ عن الكرش قديماً بأنه علامة فارقة تميز الأغنياء عن غيرهم في المجتمع ، فقد كان يُعتبر بروزه دليلاً على الغنى والثراء نظراً لاعتقاد الناس بأن الكرش يخفي في جوفه الكثير من الأموال ، ومن هنا حظي الكرش بأهمية كبيرة قديماً وارتبط وجوده بالثروة والحياة المترفة ، كما عرُف عنه أيضاً بأنه من ابرز السمات الجمالية للرجال والتي تُضفي لهم مزيداً من الهيبة والوقار بين الناس ، وهذا بدوره ساهم في ظهور الكثير من الأقوال الشعبية والعامية المرتبطة بالكرش والتي مازالت متداولة ومنتشرة بين الناس إلى يومنا هذا كمقولة : " الكرش وجاهة"، " الرجل بلا كرش كالملك/ كالسلطان بلا عرش " ، فعلى الرغم من قيام الكثير من الناس باتخاذها مصدراً للمزاح والنكات الا انهم لا يدركون مدى خطورة هذا الأمر ، فهي تعزز لديهم هذه المفاهيم والمعتقدات بشكل غير مباشر ، إذ اننا نجد الكثير منهم يتخذ هذه الأقوال مبرراً للاحتفاظ بالكرش ، ولكنهم يجهلون حقيقة أن الكرش ما هو إلا عبارة عن قنبلة موقوتة بالأمراض والمشاكل الصحية.
أما الآن فقد اصبحت مسألة ظهور الكرش تترأس أهم المشكلات الصحية والتي باتت تؤرق الكثير من الناس وتسبب لهم القلق والانزعاج ، فما وصلنا إليه في وقتنا هذا كان استجابةً لطبيعية حياتنا العصرية وما تحظى به من تغيرات وتطورات لامست مختلف مجالات حياتنا .
هذا وقد أشارت الدراسات الحديثة إلى أن 50% من الرجال و 70% من النساء يعانون من السمنة و تراكم الدهون في منطقة البطن والتي ترتبط ارتباط وثيق بإحتمالية الإصابة ببعض الأمراض المزمنة كأمراض القلب والأوردة والشرايين والسكري وغيرها من الأمراض التي تؤدي بدورها إلى ارتفاع نسبة الوفيات .
كما وبينت احصائيات ودراسات أخرى بأن كل رابع شخص في الدول المتقدمة تجاوز مؤشر كتلة جسمه (BMI) الثلاثين وهذا يعني انه يعاني من البدانة أو السمنة المفرطة ، فمن المتعارف عليه في الطب الحديث أن تشخيص السمنة لا يقتصر فقط على قياس مؤشر كتلة الجسم والذي يتم حسابه بالمعادلة التالية " مؤشر كتلة الجسم= الوزن (كجم)/ مربع الطول بالمتر (م²)" ، بل ويتم أيضاً بتشخيص السمنة الوسطية عن طريق قياس محيط الخصر( قطر البطن ) ، حيث يجب ان لا يتجاوز هذا القياس 88 سم عند النساء و 102 سم عند الرجال ، وذلك نظراً لأهمية هذه الدهون التي تتراكم في المنطقة البطن وما يتبعها من أضرار على صحة الجسم ، فهي تعتبر مصنع كيماوي لأكثر من 600 مادة ضارة أهمها هرمون اللبتين "Leptin" وهرمون اديبونيكتين "Adiponectin" كونها تعد مصدراً لنشوء الالتهابات الدائمة في جسم الانسان والتي تصيبنا دون الشعور بها ويترتب عليها حدوث مضاعفات جمة على حياتنا ، فوجود هذه الالتهابات الى جانب عوامل أخرى كارتفاع السكر في الدم وزيادة الدهنيات يشكل الخطر الأول والأساسي لنشوء جلطات القلب والدماغ وأمراض الكلى والعيون ، فعلى سبيل المثال نقصان 5 كيلوغرام من وزن الجسم يعفي بعض الناس من استخدام مادة الأنسولين لمقاومة السكري ويخلصهم من معاناة وخز الإبر لحقن الانسولين بحيث يكتفي المريض بتناول عقاقير أخرى اقل ألماً تؤخذ عبر الفم .
بل وهناك دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية WHO تفيد بان ارتفاع مؤشر كتلة الجسم (BMI) عن 25 يزيد من خطورة نشوء 13 نوع من السرطانات أهمها ما يصيب الكبد والأمعاء والثدي .
ولكن هذا لا يعني ان زيادة الوزن هي دائماً عاملاً مسبباً للأمراض ، فهناك ما يسمى " Happy Obese " والذي يطلق على الأشخاص الذين لديهم القليل من السمنة ولكنهم أصحاء ، والسبب في صحتهم رغم السمنة هو محافظتهم على التغذية السليمة وابتعادهم عن تناول المواد الضارة وخاصة التدخين إلى جانب الحركة و مواظبتهم على ممارسة الرياضة.
وبالعودة إلى دهنيات البطن فقد اثبتت الأبحاث العلمية بأن زيادة الدهون في منطقة البطن هي الحافز الأساسي لانتقال ونشوء دهون في أماكن أخرى من الجسم وخاصة في الكبد ، مما يجعل الوضع الصحي أكثر صعوبة ويزيد الأمر سوءاً ، إذ تقوم هذه الخلايا الدهنية ببرمجة الخلايا الجذعية على انتاج خلايا دهنية .
ومن جانبٍ اخر فإن هناك الكثير من العوامل المسببة للسمنة وتراكم الدهون في منطقة البطن منها : إطالة الجلوس دون بذل أي مجهود بدني مما يقلل من معدل حرق السعرات الحرارية في الجسم وبالتالي تراكم الدهون أسفل البطن، وهناك دراسات تعتقد ان وجود أنواع معينة من البكتيريا في الأمعاء مسؤولة عن نشوء السمنة ، هذا وقد توصل باحثون مؤخراً إلى عامل وراثي حاسم يرتبط بالسمنة وذلك بعد اكتشافهم الجين المسؤول عنها والذي يدعى "FTO" أو جين السمنة ، فهو موجود على الكروموسوم 16 في الصفات الوراثية للإنسان، حيث يمكن من خلاله تناقل السمنة من جيل لآخر وخاصة السمنة الوسطية التي تتركز في منطقة البطن ، كما ويمكن لهذا الجين ان يحدد للأعضاء إمكانية انتاج الطاقة عبر الخلايا الدهنية ، وفي حال انعدام هذه الوظيفة تتراكم الخلايا الدهنية في جسم الانسان وتجعله سميناً وللأسف لا يوجد حتى الآن إمكانية لإيجاد علاجات جينية لهذه الحالة .
لذا يتوجب دق ناقوس الخطر في حال تجاوز قطر البطن أكثر من 95سم عند الرجال ، و 80سم عند النساء ، وهنا يوجد لدى الانسان حلين لا ثالث لهما للتخلص من هذه المشكلة وهي: الاتزان في تناول الطعام ، وممارسة الرياضة بشكل دائم.
Comments